الحمد لله القائلِ في كتابه
الكريم :
(( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم
من ذكر أو أنثى بعضكم
من بعض
فالذين هاجروا و أخرجوا من
ديارهم و أوذوا في سبيلي و قاتلوا و قتلوا
لأكفرن
عنهم
سيئاتهم و لأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند
الله و
الله عنده حسن الثواب ))
كانت
تمشي في السوق مِشيةً مثيرةً متكسّرة ، مزهوّةً بقوامها و
عباءتِها
الجميلةِ
المُخَصَّرَةِ الجذّابةِ جداً ، والتي
أبرزت معالِمَ جِسْمِها ،
وأضفتْ على
قَوامِها نُعومةً
ورِقّة .. ولا فُستان سهرة !! ، فمرّت بأختٍ لها من
النساء
،
فتحسّرت تلك الأخرى و هي ترى ما تلبّست به أختُها من معالمِ
الفتنةِ و
الإغراءِ و جذْبِ الأنظار ، فخافت عليها من عقاب الله ، نعم ..
خافت
عليها من
عقابِ الله ، و أشفقت عليها من سَخَطِه ، فلم
تستطع إلاّ أن
تُبادِرَها
قائلةً لها :( يا أختي ..
يا أختي
تستّري ستر اللهُ
عليَّ و عليك في الدنيا و الآخرة )
، فسبحان من أوقع كلامَها في سويداءِ قلبِ تلك المرأة ، فطأطأت
رأسَها
و قالت
( إلى هذه الدرجة !!؟؟
، قالت : ( إي و
الله .. ألا
ترين
نظراتِ الرجال ؟ ) ، فتلفّتت
حولها
فما هو إلاّ كما قالت ، ثم
التفتت إليها و قالت :
أتدرين
أنكِ أوّلُ واحدة تقول لي
مثلَ هذا
الكلام ؟.. لا أمِّي ،
ولا أبي ، ولا أَحَدَ من أهلي ، ولا حتى
صديقاتي
قدّموا
إليَّ هذه الملاحظة !! )
(ربما
استحوْا مِنْكِ ؟)
(لا بالعكس .. هم ينتقدون
بعض
الفساتين
إللّي ألبسْها ، وبعضَ الألوان إللّي اختارها ، لكن العباءة
.. ولا
مرّة .. ، حتّى اللِّي ما يَلْبَسون نوعيّة هاذي العباءة ولا مرّة
قالوا
شيْ
!
( تتوقعين إنّ
هاذي العباءة
حرام
؟؟
( يا أختي أنا متأكّدة إنها حرام ..
لأن
هاذي العباءة صُمِّمَت أصلاً لتُعطي إللي تلبسها نعومة وجمال
وإثارة ،
وهاذي الأمور.. يجب على المرأة أن تسترها .. ولاّ تُظهِرْها وتمشي
بها
بين
الرجال ؟؟)
(
لكن ..أنا ما أقصد إظهارها للرجال)
، ( أنا عارفة ياأختي ..لكن
الأثم
أحياناً يكون على القصد السّيّء ، وأحيناً يكون على العمل نفسِه ولو
لم
يكن
القصد سيّء )
( سبحان الله ..صحيح هذا الكلام
؟؟!!)
، ( نعم ،
شوفي يا أختي ..
، هاذي
العباءة واللهِ ما فيها خير ، وما
تجيب إلاّ الشرّ.. ، وأحلفْ لِك
إنّ
الرِّجال ، يحترمون
المرأة اللي تلبس عباية الرأس العاديّة ، أكثرْ
من اللي
تلبس
العباءة المخصّرة أوالمغربية أو مثلَها من أنواع العِبيّ ، حتّى
الفسّاق
أهلُ المعاكسات ما يَجْرَئون على إزعاجها ، ثم لاتنسين
ياأختي .. إنّ
هناك رب
، وحساب ، وجنّة ونار.. الله يجعلني
وياكِ من أهل الجنة ،
ويِبْعِدْني وإياكِ
عن أهل النار )
والله كلامِك صحيح ..الله يجزيكِ
خير..
الله يجزيكِ خير ..استغفر الله العظيم وأتوب إليه ، استغفر الله
العظيم
وأتوب
إليه )
(
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم
تفيض من الدمع مما عرفوا
من الحق
يقولون ربنا آمنا فاكتبنا
مع الشاهدين * وما لنا لا نؤمن بالله وما
جاءنا من
الحق
ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين)
83 ، 84 المائدة ]
أختي الكريمة .. مشهدُ
النّصيحةِ
هذا .. بوِدِّي لو
يتكرّر ، بوِدّي لو تنصحُ كلُّ مسلمةٍ أختَها ،
بوِدّي لو
تنصحين أنتِ كلَّ مسلمةٍ.. سواءً كنتِ امرأةً متزوجة ، أو كنتِ
طالبةً
في
المدرسةِ ، أو في الكلية ، تنصحين من ترين أنها تستدعي
النُّصحَ من
أَخَواتِكِ المؤمنات ، فالمؤمنون والمؤمنات ، كما
قال الله تعالى ،
أولياء
يتعاونون على البر والتقوى ( و
المؤمنون والمؤمناتُ بعضُهم أولياءُ بعض يأمرون بالمعروف وينهون
عن
المنكر
ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاةَ ويُطيعون الله
ورسوله أولئك سيرحمهم
الله إن
الله عزيزٌ حكيم )
أختي العفيفة ..
حتّى متى
نُسْرِفُ على أنفسنا ؟ ، استمعي إلى ما قالته أمُّ
سلمة رضي الله
عنها .. ،
قالت (استيقظَ
النبيُّ صلى
الله عليه
وسلم من الليل وهو يقول: لا إلهَ إلا
اللّه!! ، ماذا أُنْزِلَ
الليلةَ منَ
الفتن؟ ، ماذا أُنزِلَ
من الخزائن ؟ من يوقظُ صواحبَ الحُجُرات؟
[ يقصِد زوجاتِه (صلى الله عليه وسلم)]
كم
من كاسيةٍ في الدنيا عاريةٌ
يومَ
القيامة) ،
ولاحظي لفظة (
كم من )
في قوله : (كم
من كاسيةٍ
في الدنيا
عاريةٌ يوم القيامة )
فهذه
اللَّفْظة تعني الكَثْرة ، يعني : أن النساءَ العارياتِ يوم
القيامة
كثيراتٌ
جدّاً ( نسأل الله السِّتْرَ والسلامة ) ،
إذن فالمسألة ليست زِيّاً
تلبسينه
وانتهى الأمر .. ، لا ،
ليس بهذه البساطة !! ، هناك مراقبةٌ لكل
فِعْل ،
وتسجيلٌ لكل
حركة ، ومحاسبة ، وعقاب ، وثواب ، ولذلك .. انظري كيف
كان إيمانُ
الصحابيات وشدّةُ تأثِّرِهِنَّ بالأحاديث ،
يقول
الزُّهري :
وكانت هند بنتُ الحارث(رضي الله
عنها) ، وهي التي روت الحديث عن أم
سلمة ،
كانت لها أزرارٌ
في كُمَّيْها بين أصابعها ، والمعنى ، أنها كانت
تخشى أن
يبدو من جَسَدِها شيء بِسَببِ سَعةِ كُمَّيْها ، فكانت تُزرِّرُ ذلك
لئلا
يبدوَ منه شيءٌ ، خوفاً من أن تدخلَ في قولِه (صلى الله عليه
وسلم)
(كاسيةٍ في الدنيا عاريةٌ يوم
القيامة)
، .
قال
الحافظ بنُ حجر في شرحه للحديث : أنه (صلى
الله عليه وسلم) حذّر
النساء من
لِباس الرقيقِ من الثيابِ
الواصفةِ لأجسامهن ، لئلا يَعْرَيْنَ في
الآخرة ،
واخْتلَفَ
العلماءُ في المُرادِ بقوله: «كاسية وعارية» ، وإن كانت
المحصِّلةُ
وخيمةً على أيِّ حال ، اختلفوا على أوجه ،
أحَدُها :
كاسيةٌ في
الدنيا بالثياب لوجود الغِنَى ، عاريةٌ في الآخرة من
الثَّواب ،
لعدم العمل على طاعة الله وتركِ مساخطه في الدنيا ،
ثانيها :
كاسيةٌ
بالثياب نعم .. لكنها ثيابٌ شفافةٌ أو رقيقةٌ أوضيِّقة تُبدي
مفاتِنَها ، فتُعاقَبُ في الآخرة بالعُري جزاءً على ذلك ،
ثالثها :
كاسيةٌ
جسدَها ، لكنها تشُدُّ خمارَها من ورائها ، فيبدو صدرُها ،
فتصير
عاريةً ، فتُعاقب في الآخرة ، الحاصل أنّ اللفظة.. وإن وَرَدَتْ في
أزواج
النبي (صلى الله عليه وسلم) ، لكن العبرة بعموم اللفظ ،
قال العلماء :
فأراد (صلى الله عليه وسلم) تحذيرَ أزواجِه من ذلك كلِّه، وكذا
تحذيرَ
غيرِهن
مّمن بَلَغه ذلك ، ولذلك تقول أم سلمة (رضي الله عنها)
« لَمَّا نَزَلَتْ { يُدَنِينَ
عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ} خَرَجَ نِسَاءُ الأنْصَارِ
كَأَنَّ
عَلَى رُؤوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنَ الأكْسِيَةِ».
وهو ما حَمَل عائشةَ(رضي الله عنه) لأن تُثنيَ على نساء الأنصارِ
بذلك
وتقولُ
فيما ورد : (( إن نساءَ قريشٍ
لَفُضَلاء ، ولكني واللهِ ما رأيتُ أفضلَ من نساء الأنصارِ أشدَّ
تصديقاً
بكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل ، يعني لمّا نَزَلت آياتُ
الأمرِ
بالحجاب ،
بادرْن إلى الالتزامِ بالحجابِ كلُّهُنّ
بلا استثناء مباشرةً دون
تردد ، تقول
: ما منهن امرأة .. ما
منهن امرأة إلا قامت إلى مِرْطها
[ وهو الكساءُ من الصوف ]
يعني
استترْن بتلك الأكسية ، فأصبحن يصلين الصبح معتجِرات
[ أي بتلك الأكسية ]
كأن على رؤوسهن الغِربان» .
أختي
الكريمة ..
أنا وأنتِ نتّفق
أنّ اللهُ
تعالى هو الأعلمُ بعبادِه كما جاء
في الآية:
( هو أعلم بكم إذ أنشأكم من
الأرض )
، فهو سبحانه يعلم ، أنّ المرأةَ هي أضرُّ
فتنةٍ على الرجال ، كما
قال (صلى
الله عليه وسلم) : (
ما تركت
بعدي
فتنةً أضرَّ على الرجال من النساء ) ،
ولذلك صحّ أنه (صلى الله عليه وسلم) قال :
(
المرأةُ عورة إذا خرجت
[
يعني من بيتها ]
استشرفها الشيطان )
[أي زينها
في نظر
الرجال ليفتنهم بها ] ولذلك قال الأمام بن
المبارك :
( المرأة عورة ، وأقربُ ما
تكونُ إلى
الله في
قَعْرِ بيتها ، فإذا خرجت استشرفها
الشيطان.)
، واللهُ تعالى يعلم أيضاً ،
أنّ من طبيعةِ الفسّاقِ والمنافقين
أذيّةَ
النساء
المفرِّطاتِ بالحجاب ، لأنّ الاستهانةَ بالحجاب ، أو بهيئةِ
الحجاب ،
يدعو السِّفلةَ والفُسَّاقَ المتسكّعين في الأسواق والطرقات ، إلى
التّعرُّضِ
و الأذى و النظر بشهوة ، وهذا من الفساد !! و الله لا يحبُّ
الفساد ،
فقال
تعالى مُرْشداً وآمراً : ( يا
أيها
النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من
جلابيبهن ذلك
أدنى أن
يعرفن فلا يؤذين [يعني من قِبَلِ
الفُسّاق]
وكان الله غفوراً رحيما ) ،
فكانت تلك
الاستجابةُ العظيمةُ من نساءِ الصّحابة كما وصفت أمُّ المؤمنين
السيدة
عائشة
رضي الله عنها .
أختي
العفيفة .. ونحن نسير نحو
حالٍ
أرشد ،
ومستوىً إيمانيٍّ أفضل ، سنقفُ أنا وأنتِ اليوم إن شاء
الله تعالى
وقَفَاتٍ
مهمّة ، ونحاول أن نتأمّلَ عند كلِّ
وَقْفَة ، ونوضِّحَ بعضَ
المفاهيمَ
والثّوابتَ المهمّة ، ثم
نُقرِّرُ سويّاً [إن شاء الله] أهمّيّةَ
العنايةِ
بها ،
وهكذا نصنعُ عند كلِّ وقفة .. حتى نَصِلَ إلى بَرِّ الأمانِ.
الوقفةُ الأولى :
(عِلَّةُ الحياة)
طالما قرأنا قوله تعالى : (
وما
خلقت
الجن والإنس إلاّ ليعبدون )
لكننا
لم
نتأمّل بشكلٍ جاد في مدى مطابقة واقعنا لهذه الآية العظيمة ،
ربما لو
سألتُكِ
: ما العِلَّةُ من إيجادكِ في هذه الحياة ؟
لبادرْتِ قائلةً بكل
بساطة:
لعبادة الله تعالى .. ، أليس
كذلك ؟ ، أقول بلى هو كذلك .. ، لكنْ
هذه
الإجابةُ السطحيّة
ليست مقصودةً في هذا المقام ، فلسنا في مدرسةٍ ولا
في
قاعةِ
امتحان.. ، إذن ما المقصود من السؤال ؟ ، المقصود من السؤال هو
استشعار
أبعادِ الإجابةِ الآنفة .. ، لعبادة الله تعالى ، استشعار
مقتضياتِها
،
استشعار معناها الحقيقي ، استشعار الجانب
العملي الواسع لمفهومِ
العبادة .. ،
هل يا تُرَى يَقْتَصِرُ
مفهومُ العبادةِ في أذهاننا على الصلاةِ و
الزكاةِ
والصومِ
والحج ، أم إنّ للعبادةِ مفهوماً أوسع ؟؟ ، ومَن أفصحُ
وأصدقُ من
القرآن ليُجِيبَ على هذا التّساؤل .. يقول الله تعالى :
( قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي
لله رب
العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين )
، لاحظي الجمع بين الصلاة والحياة ، صلاتي..ثم قال .. ومحياي ،
فكلاهما
للهِ
رب العالمين ، فلئِن تَبَادَرَ إلى الذّهن عند ذِكْرِ
العبادة..
"الصلاة" ..
فلا تحْجِزِي دونها الحياةَ
بأكْمَلِها .. فإنها أيضاً للهِ رب
العالمين ،
الصلاةُ لله ،
والحياةُ لله ، بل حتّى المماتُ لله!! ، والحياة ..
أختي الكريمة ..
تشمل
كلَّ نشاطٍ
تقومين به في حياتِكِ ، حتى إماطةُ الأذى عن
الطريق ، الذي بعتبِرُهُ
مُعظَمُ
الناس مُجرَّدَ سلوكٍ
حضاريّ.. هو أيضاً لله ، أي أنّه عبادة كما صح
في
الحديث ،
بل حتى المشاعرُ وخوالجُ القلب كلُّها عبادات يجب أن تُصْرف
لله
لاشريك له ، فالحبُّ والبغض ، والموالاة والمعاداة ، والخوف والرجاء ،
والرغبةُ والرهبة ، والخضوعُ والتوكل .. كل هذه المشاعرِ
القلبية
عباداتٌ
عظيمة ، وليس الصلاة والصوم فقط ، ويجب أن
تكون كلُّها خالصةً لله ،
ولا
تتصوَّري أنّ هناك تعقيداً أو
صعوبةً في هذا المفهوم أو في ممارسته ،
أبداً..أبداً ..الأمر
فقط يحتاجْ إلى حضور قلب ونيّة ، فمُمارسةْ هذا
المفهومِ
الشّامل إذاً ، هي العبادةُ بعينها ، بل إنّ العبدَ
[وأقصدْ بالعبد ، الرّجُل والمرأة
على حدٍّ
سَواء] العبد ، لا يكونُ
عبداً حُرّاً
من كلِّ
قيْد ، …حُرّاً من كلِّ قيْد ،
من
كلِّ قيد أقول ..
، حتى يُجَرِّدَ هذه المشاعرَ
القلبيةَ للهِ وحدَه لا شريكَ له ، فلا
يجمع
بين المتضادّات
في قلبه ولا في سلوكه ، فيزعُمُ إخلاصَ المحبةِ للهِ
مثلاً ..
يقول : (أنا أحبُّ الله وحده لاشريك له ، وأنا مُخلِص في حُبِّي
لربّي
[وإخلاصُ المحبّةِ أعظمُ عبادة] ثم بعدَ كُلِّ هذا التعبير
الجازم
والتأكيد
على محبّةِ الله.. يُجاهِرُ بمعصيته ..!! ،
كيف؟ ، ويباهي بها .. ،
ويُصِرُّ
عليها..كيف؟ ، أين إخلاصُ
المحبَّةِ للهِ إذن ، أين ؟؟ ، لأن
المتعارفَ عليه
.. أنّ
مِن مقتضياتِ المحبّةِ الكاملةِ الخالصة .. طاعةَ المحبوب ،
إذا
أحببتِ بإخلاص .. ما الذي تحرصين عليه ..؟ إرضاءُ من تُحِبِّين أم
إسخاطُه
؟؟
، طاعتُه أم معصيتُه ؟؟ ، ثم بِناءً على محبّتِكِ لله .. من
وماذا
تحبين ؟ ،
فإذا كان الجواب : لأنّي أُحِبُّ الله ،
فإنّي أحبُّ ما يحبّه الله
!! ، ..
نقول هذا الكلام جميل
..!! لكن إذا كان في قلبِكِ مكانٌ للفسقةِ ،
والعُصاةِ
المجاهرين بالمعاصي ، فتحبّين المطربة الفلانية ، وتُعجَبين بالمطرب
أو
الممثّل الفلاني ، فينبغي مراجعةُ كلامِكِ السابق ، فالتناقض ،
والازدواجيّة
بين ضِدّين أمْرٌ مرفوض ، فإنّ المُحِبَّ الصّادق ، لا يَخلِطُ
في
محبّتِه
بين حبيبِهِ ومن يُسخِطُ حبيبَه ، فالعبرة إذن
ليست في محبّةِ اللهِ
عزّ وجلّ
.. ، فكلٌّ يدّعي محبّةَ الله
، ولكنّ العبرةَ في محبَّةِ ما يُحِبُّ
اللهُ
جلّ وعلا من
الأعمال ، والهيئات[ أي الأشكال] ، والأقوال ، ... ولذلك
امتحن
الله الناسَ رجالاً ونساءً بهذه العبادةِ العُظمى قائلاً :
( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني
يحببكم
الله) ، فالاتباع ، والخضوعُ
لأمر
اللهِ ورسولِه
، هو برهانُ المحبّة ، وقال تعالى :
( قل إن
كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ
اقترفتموها
وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله
وجهادٍ
في
سبيله فتربّصوا حتى يأتيَ الله بأمره و الله لا يهدي القوم
الفاسقين )
، وواللهِ يا أختي .. إنّ
السعادةَ الحقيقة ، لا السعادةَ الوهميةَ
الآنيَّةَ
الخادعة..لا .. ، هذه يشترك فيها معظمُ الناس ، العصاة ، الفجرة ، بل
حتّى
الكُفّار ، يضحكون مِلءَ أفواههم اليوم ، ويحسَبون أنّهم
سُعداء ..
ثم
يقطِّعُهُم البكاءُ من الغد !! ، لا ..لا.. ،
أنا أتكلّم عن شيءٍ آخر
، أنا
أتكلّم عن السعادة الحقيقية ،
سعادةِ الإيمان ، السعادة التي تجدينها
عندما
تنفرِدِين
بنفسِك ، ما معكِ أحدٌ إلاّ الله .. ، فَتَشْعُرينَ
بسعادةِ
مناجاتِه والأُنسِ به تبارك في عُلاه ، ولا تجدين ما يُنَغِّصُ عليكِ
هذا
الأُنسَ والانشراح من أنواعِ المعاصي ، ويتحقّقُ اتّصالٌ
مُباشر بينَ
قلبِكِ
وبين من تُحبِّين بكُلِّ صدقٍ وإخلاص ،
اتّصالٌ مباشرٌ بين قلبِكِ
وبين الله
، هذه هي السّعادةُ
التي أعنيها ، السعادة الممتدّة عبر هذه الحياةِ
القصيرة
إلى
ما بَعْدَ هذه الحياة ، السعادة الأزليّة التي لا تنتهي ، لا
تنتهي ،
فهي
معكِ حيثُما كُنتِ ، وحيثُما تقلّبَ بِكِ الزّمان ، في
السّرّاءِ
والضّرّاء ،
في الغِنى والفقر ، في الصِحّة
والمرَض ، إنّه السّرور الذي تجدينه
في الحياة
، وأثناءَ
الاحتضارِ عند توديعِ الحياة ، وبعد الموتِ وأنتِ
لِوَحدِكِ في
القبر ، وعند النشور في يومِ العرْضِ الأكبر ، يومِ الحساب ، كما قال
اللهُ
تعالى مُبشّراً : ( فأمّا من
أوتي
كتابه بيمينِه فسوف يُحاسَب حساباً يسيراً وينقلِبُ إلى أهلِهِ
مسروراً)
هذا السرور وهذه السعادة .. ، لا تتحقق إلاّ بتجريدِ العبوديّةِ
كلِّها
لله
تعالى كما ذكَرْتُ آنِفاً ، فالحياةُ الطّيّبة ، التي هي
حياةُ
الطُّمأنينة ،
وراحةِ البال ، وراحةِ الضمير ، لا
يُمكِن أن تتحقق إلاّ بتجريد
المشاعرِ
والأفعالِ لله تعالى ،
كما قال تعالى :
( من عمل صالحاً ممن ذكرٍ أو
أنثى
وهو مؤمن
فلنحيينّه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن
ما كانوا يعملون )
، نعم .. حياةً
طيبةً في الدنيا ، و حياةً أطيبَ منها في الآخرة ،
والآن أعود وأسأل ..
هل تصوّرتِ
هذا المفهومَ الواسعَ للعبادة لمّا أجبْتِ على السؤالِ
المتقدِّم
، لمّا سألتُكِ فقُلْتُ: ما العِلَّةُ من إيجادِك ؟ فقلتِ : عبادةَ
الله
، هل
تصوّرتِ هذا المفهومَ الواسعَ للعبادة لمّا أجبْتِ على
السؤال ؟ ،
فإن كانت
الإجابة ( لا..لم أتصوّر هذا المفهومَ
الواسع ) فيلْزَمُكِ استدراكُ
الخلل ،
واستكمالُ مفهوم
العبادة بشكلٍ شاملٍ وعمليّ ، ومحسوس ، راجعي أختي
..راجعي ،
راجعي مدى مطابقةِ سلوكيّاتِك لما يحتويهِ قلبُكِ من مشاعرِ العبادة ،
عسى
اللهُ أن يُعِينَكِ ويأخُذَ بيدِكِ ، .. وأمّا إن كانت
الإجابة ( نعم
.. كنت
أتصور هذا المفهوم ) ..فالحمد لله إذن ،
ولْنَنْطلِقْ في طريقنا نحو
التطبيق
العملي .. وهو السلوك
..
الوقفة الثانية :
( السلوك )
السلوك أختي الكريمة .. هو مصداق ما في القلب
مِن أعمال ، ولأنّ
أعمالَ القلب
أصلُ مَيْدانِها.. أصلُ
مكانِها القلب ، فهي إذن خفيّة مستترة ،
القلب .. لا
أحَدَ
يستطيعُ أن يَشْهَدَ بما فيه من صِدْق ، وإخلاص ، ومحبّةٍ لله ،
وخضوع
، ورهبة ، وخشية ، وتعظيم ، وغيرِها من الأعمالِ القلبية ، فالسبيلُ
الوحيد
إذن لمعرفةِ قيامِ أعمالِ القلب هذه وحقيقتِها ما هي؟ .
هي
عَمَلُ الأركان ، عملُ الجوارح ، فالقلبُ إذا
أخلص العبادةَ لله ،
فاض ذلك
الإخلاصُ على أركان الجسدِ
كلِّه ، فيتحرك الجسد بما يُمليهِ عليه
قلبُ
المخلصِ المحبِ
الله ، فالسلوك إذن .. ، ماذا تقولين ، ماذا تفعلين ،
ماذا
تلبسين ، كيف تتعاملين مع نصوصِ القرآن وأوامرِ النّبيّ (صلى الله
عليه
وسلم)
وإرشاداتِه ، .. هذا السلوك ، هو انعكاسٌ حيٌّ ظاهرٌ
محسوس لما استتر
في
القلب من إيمان ، ومشاعر ، وتعظيم وإجلال
لله تبارك وتعالى ، والآن
.. هل
يُمكن أن تتصوَّري وجودَ
صدْقٍ وإخلاص وحبٍّ لله ، ورهبةٍ وخشيةٍ منه
،
وتعظيمٍ له ،
في قلْبِ من إذا غادرت البلادَ ، وهي على مَتْنِ
الطائرةِ بعْدُ
، لم تَمَسَّ قدمُها الأرضَ التي هي مُسافِرةٌ إليها ، كان من
سلوكِها
أنْ
خلعت العباءةَ والحجاب ، ثم طوتْهُما ، كأن لم تكن بينها
وبينَهما
مودّة ،
وحشرتْهما في شنطتها ، كَمَنْ يُخْفي
عَيْباً !! ، ثم خرجت أمام
أعينِ الناس
مُسْفرةً عن كلِّ
زينة !! ، أسألُكِ بكُلِّ أمانةٍ أُختي الكريمة ،
هل يُمكن
أن تتصوَّرِي صدْقاً وإخلاصاً للهِ في قلْبِ من تسلُكُ هذا السلوك ؟؟
،
هل
يُمكن أن تتصوَّري تعظيماً للهِ وإجلالاً لأمره ونهيه في
قلبِها؟؟ ،
هل يُمكن
أن تتصوَّري حُبّاً لما يُحِبُّه الله
في قلبها ؟؟ ، هل يُمكن أن
تتصوَّري
ذلك ..
أُختاه يا بِنتَ الجزيرةِ ربما ***
غَطَّى
على عينيكِ فِكْرٌ أحمر
ولَرُبمَّا خدَعَتْكِ عَلمانيّةٌ ***
ولَرُبمَّا أغراكِ ذِئبٌ أغــبر
أُختاه يا بِنتَ الجزيرةِ هكذا
*** وخنادقُ الباغينَ حولَكِ تُحفر
أو هكذا والحربُ تَضْرِبُ
دَفَّها *** يُلقَى بيانُكِ بالسفور
ويُنشَرُ
أو هكذا
والملحدون تجمّعوا مِن *** حولِنا والطّامعون تجمهروا
أنسيتِ
فاطمةَ التي لِحِجابها *** خَضَعَتْ فرنسا والعُصاةُ توتّروا
أنسيتِها .. أنسيتِ كيف تحدّثت *** عنها الوسائلُ كيف عَزَّ
المَخْبَرُ
قد كنتِ أوْلَى أن تكوني قُدْوةً *** تدعو إلى إسلامِها وتُبشِّرُ
قد كنتِ أوْلَى أن تكوني للتُّقى *** رمْزاً يَجِلُّ به العَفافُ
ويفْخرُ
أوّاهُ يا بِنتَ الجزيرةِ هكذا *** تتمرّدين لبِئسَ هذا المنظرُ
إنّ التِزامَكِ بالحجابِ تماسُكٌ *** والسّعيُ في نزْعِ الحجابِ
تدهْورُ
إنّ التِزامَكِ بالحجابِ تقدُّمٌ *** والسّعيُ في نزْعِ الحجابِ
تأخُّرُ
ماذا نقولُ لكعبةِ الله التي *** بالثَّوْبِ طُولَ زمانها تتستّر
فَنَزْعُ الحِجاب ، والتّفريطُ في الالتزامْ
بهيئةِ الحجابِ
الرّبّانيّةِ
الشّرْعيّة ، هذا السلوكُ
المَشين ، سلمكِ اللهُ منه ، سلوكٌ عمليّ
.. ولا
يُمكن أن
ينعَزِلَ السلوكُ عمّا يُكِنُّه القلب ، إذِ القلب .. هو
الذي
يُفرِزُ السلوك ، هذه هي الحقيقةُ الناصعة مهما كابرَ المُكابِر ،
وهو
مصداقُ
قوله (صلى الله عليه وسلم) : (
ألا
إنّ في الجسد مُضغةً إذا صَلَحت صلح الجسدُ كلُّه وإذا فسدت
فسد
الجسدُ كلُّه
ألا وهي القلب ) ،
وأذكِّرُ
هنا..
أننا قد اتّفقنا أنا وأنتِ من قبْلُ على
مفهومِ العبادةِ الواسع
والشّامل ،
وأنّكِ تَعينه وتفهمينه
جيّداً ، القضية أختي ليست صلاة وصوم فقط ،
لا .. ،
القضية
أكبر وأبعدُ من ذلك ، إنّ العبادة تسليمٌ واستسلام ، تسليمٌ
بربوبيَّةِ الله.. أنّه هو الخالق ، الرّزّاق ، مالكُ كلِّ شيء ، له
وحدَه
حقُّ الأمرِ و النهي كما جاء في الآية
( ألا له الخلق والأمر) ، هذا
أوّلاً
،
ومن ثَمّ .. ، استسلامٌ لأمره
(سمِعنا
وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )
وهذا ثانياً
، فالإستسلام ، الذي يعني السّمع والطّاعة ، هو نتيجةٌ
حتْميّةٌ
لإيماننا الكامل بربوبيّته ، ولذلك .. تريْنَ اللهَ عزّ وجلّ يُقسِم
بذاتِه
العظيمةِ جلّ وعلا .. ، يقسِمُ بذاتِه المقدّسة على هذا الأمر ،
ولا
يقسِمُ
اللهُ بذاته إلاّ على أمرٍ عظيمٍ جدّاً ، وهذا
الأمرُ العظيم هو
صِدْقُ
استسلامي واستسلامِكِ لأحكامِه
وأوامرِه عزّ وجلّ ، قال تعالى :
(
فلا وربِكَ [
ما الذي
يُقسِمُ به اللهُ هُنا ؟ يُقْسِمُ بذاتِه سبحانه ]
فلا وربِكَ لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في
أنفسهم
حرجاً
مما قضيت ويسلّموا تسليما) ،
وتأمّلي
أيّتها الفاضلة(أسْعَدَكِ اللهُ بطاعتِه) تأمّلِي في قوله تعالى
:
( ويسلموا تسليما )
فلم يقل : ( ويسلّموا ) فقط ، لا.. ، بل أتى بالمفعولِ المطلق الذي
هو
المصدرُ هنا ( تسليما ) والذي يفيد التّوكيدَ الجازم على
فَرَضِيّةِ
التسليم
لأحكام الله جلّ وعلا ، باطِناً وظاهِرا ،
فقال مؤكِّداً وجازماً :
( ويسلّموا تسليما )
، وإنّ من التسليم للهِ تعالى ، أن تشعُرَ المسلمة بالحياءِ من اللهِ
خالقِها
، تشعُر بالحياء باطِناً وظاهِرا ، فالحياءُ في أصلِهِ
شعورٌ قلبيّ ،
لكنْ
يظهرُ أثرُه على السّلوك بشكلٍ واضح ،
الحياء .. يظهرُ أثرُه على
السّلوك
بشكلٍ واضح ، وهو عبادةٌ
عظيمةٌ جدّاً جدّاً ، بيّن ذلك رسول الله
(صلى الله
عليه
وسلم) بقولِه : (
الحياءُ
والإيمانُ قُرِنا
جميعاً فإذا رُفِعَ أحدُهُما رُفِعَ الآخر )
، سبحان الله !! ..إذا رُفِعَ الإيمان رُفِعَ الحياء ، وإذا رُفِعَ
الحياء
رُفِعَ الإيمان ، ..
والآن
.. هل من الحياء أن تخرُجَ
المرأةُ المسلمةُ الموحِّدة في حفْلاتِ
الزّواج ،
أو أيَّةِ
مناسَبَة ، بأزياء تكشِفُ مفاتِنَها أمام النساء ..؟؟ ، هل
من
الحياء أن تخرُجَ بفستان قصير فوق الركبة ، وآخر مشقوقِ الجنبين
يُظهِرُ
فخِذَيْها ، وآخر يكشِفُ صدرَها .. نِصْفَه أو أكثرَ من ذلك ،
أو
يكشِفُ كلَّ
ظهرِها ، أو تخرج بفستانٍ ضيّق يُحجِّمُ
مفاتِنَها ، أو غيرِها من
الأزياءِ
التي لا تليقُ بالمرأةِ
العفيفة ، هل من الحياء .. الذي هو دليل
الإيمان ..
أن
تخرُجَ المرأةُ بمِثلِ هذه الأزياء ..؟؟ ، أَوَ هكذا تسوقُنا
الأهواءُ
والشّهواتُ سَوْقَ النِّعاج..! ، نركُضُ وراء الموُضة بلا شعور !! ،
نركضْ
وراءَها رَكْضَ العُميان !! ، نركض وراء الموُضة بلا اعتبار
لدين ولا
أخلاق
ولا حياء!! ، أين
تميّزُ
المسلمة
عن غيرِها من نساءِ الكُفْرِ والإباحيّة ؟
، أمّ سلمة (رضي الله عنها) ، أمّ سلمة التي ينبغي أن تكونَ قُدْوةً
لكِ
ولكلِّ مسلمة ، لمّا سمِعت رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)
يقول :
( من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظرِ
الله
إليه يوم
القيامة ) ،
جاءت إليه تسألُهُ باهتمامٍ شديد (
فكيف
يصنعُ النساءُ بذيولهنّ [ أي بطرفِ الفستان أو الثّوب ] ، قال :
(يرخين شِبْراً )
،
فقالت : ( إذن تنكشفُ أقدامهنّ !!)
، قال :
(
يُرخين ذراعاً ولا يزدن )
، الله أكبر
.. انظري .. ، انظري .. ، ما الذي أقلق أمَّ سلمة (رضي
الله
عنها) ؟؟ ، انكشافُ القدمين !! ، ..كيف تنكشفُ القدمان .. هذا هو
الذي
أقلقها
؟!! ، ..هل لكِ أن تتصوّري حياءً مثْلَ هذا الحياء أختي
المسلمة ؟؟ ،
ولمّا
نعود إلى أصلِ الحكم الفقهي ، أقول : نعم
.. ، نعم .. هناك من تحتجّ
ببعضِ
أقوالِ العلماء مِن أنّ
حدودَ عورةِ المرأةِ أمام المرأة من
السُّرّةِ إلى
الرّكبة ،
وهو قولٌ مَبْنِيٌّ على أن الأصل ، اشتراكُ المرأةِ مع
الرّجلِ في
الأحكام إلاّ ما خُصّت به المرأة ، فلمّا لم يأتِ بيانٌ خاصٌّ
بالمرأةِ
في
حدودِ عورتِها بالنّسبةِ للمرأة ، قاس أصحابُ هذا القولِ على
الحكمِ
بالنسبة
للرجال ، فقالوا : عورةُ المرأةِ أمام
المرأة من السّرّةِ إلى الركبة
أيضاً ،
وقيّد بعضُهم جوازَ
النّظرِ بأمْنِ الفتنة ، يعني إذا لم يكن هناك
فتنة ،
فيجوزُ
لها أن تنظرَ سِوى ما بينَ السّرّةِ والرّكبة ، واستدرك بعضُ
العلماء
على هذا القول بالتّفريق بين (حكمِ النّظر وحكمِ اللّباس) ، فقالوا :
هناك
أحكامٌ للنّظرِ وأحكامٌ لِلّباس ، فجوازُ نظرِ المرأةِ إلى
صدرِ
المرأةِ
مثلاً ، لا يستلزِمُ جوازَ تكشُّفِها
وارتداءِها ملابسَ الفاسقات ،
فإنّ
التّشبُّهَ بالفاسقاتِ
بِلُبْسِ ملابِسِهِنّ الخليعةِ الفاضحةِ ،
حرامٌ
قطْعاً ،
وإنّما أجزْنا النّظرَ لما تقتضيه حاجةُ المرأةِ من كشْفِ
الثّديِ
للرَّضاعِ حالَ اجتماعِها بالنساءِ وما شابه ذلك ، وعلى أيِّ حال
..أختي
الكريمة ، فهناك قولٌ فقهيٌّ قويّ يذهبُ إلى أنّ حدودَ عورةِ
المرأةِ
بالنّسبةِ للمرأةِ ، هي كما هي بالنّسبةِ للمحارم ،
أي مواضعُ
الزّينةِ مِن
جسدِ المرأة ، وهي
كالتالي :
الشعر ، الذي هو موضعُ
التّاج ، والنحر ، الذي هو موضعُ القِلادة ،
واليدان
والذراعان حتى العَضُدَيْن ، موضعُ الخاتَم و الأَسورةِ
والدُّملُج ،
والقدمان حتّى أسفلَ السّاقين ، موضِعُ الخَلْخال ، أمّا ما
وراءَ هذه
الحدودِ ، فحرامٌ
كشفُهُ على الإطلاقِ ، سِوى للزّوج ، واستدلّوا على ذلك بالآيةِ
الكريمة
(وقل للمؤمناتِ يغضضن من أبصارهن
ويحفظن
فروجهن ، ، ولا يبدين زينتهنّ [ أي
زينتَهُنّ
ذاتَها ويأتي تَبَعاً مواضعُ
زينتِهِنّ ]
إلاّ لبعولتِهِنّ أو آبائهِنّ أو آباءِ
بعولتهِنّ
، ، إلى قولِه : أو
نسائهن )
، فجَمَعَ في حدود ما يجوزُ أن
تُبدِيَه المرأةُ من أجزاءِ جسدِها ،
جَمَعَ
بين المحارمِ
والنساءِ ، فحُكْمُهُما واحد ، .. ولذلك نرى نهْياً من
الرّسولِ
(صلى الله عليه وسلم) للرّجالِ أن يسمحْنَ لزوجاتِهِنّ أن يدخُلْنَ
الحمّامَ
الخاصّ بالنِّساء [ والمقصود : هو ذلك الحمّامُ الجماعي الخاصّ ،
إمّا
للرجالِ أو للنساء ، والذي يُخَصَّصُ في بعضِ البلاد
من أجل غَسْلِ
الجسد ،
أشْبَهَ بالحمام التُّرْكي ، ويُخْشَى
أن يكونَ فيه كشْفٌ للعورات ] ،
قال
(صلى الله عليه وسلم) :
( من
كان يؤمن
بالله واليومِ الآخِر فلا
يُدخِلُ حليلتَه الحمّام )
، رواه النَّسائي
والتِّرْمذيّ وحسّنه ، وفي حديثِ أبي أيوبٍ (رضي
الله عنه)
بلفظ : (من كان يؤمن بالله
واليومِ
الآخِر من
نسائكُم فلا يَدخُلِ الحمّام )
، وعن أبي
المُلَيْحِ الهُذَلِيّ ، أنّ نساءً من أهلِ حِمْص ، أو من
أهلِ
الشّام ، دخلْنَ على عائشةَ (رضي الله عنها) ، فقالت :
( أنتُنّ اللاتي يَدخُلْنَ نساؤكُنّ
الحمّامات
؟! ، سمِعتُ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يقول : ( ما
مِنِ
امرأةٍ تضعُ ثيابَها في غيرِ بيتِ زوجِها إلاّ هَتَكَتِ السِّتْرَ
بينها
وبين
ربِّها ) رواه التِّرمذيُّ
وهو
صحيح ،
فتلك الآية ، وتلك الآثار تدُلُّ على أنّ الحياءَ لباسٌ
للمسلمةِ لا
تنزِعُهُ
عنها ، سواءً أمام الرجال ، أو أمام
النِّساء ، فالأزياءُ الخليعة
التي
يلبَسُها بعضُ النساء ،
أو كثيرٌ من النساء في الحفَلات ، ويتباهيْن
بها
وبخلاعَتِها
وتعريتِها لأجسادهن ، تناقِضُ الحياء ، ولا تليق أبداً
بالمرأةِ
المؤمنة ، ..
ظاهرةٌ أخرى
تتعلقُ بالسلوكِ النّابعِ من مقدار إيمانِ المسلمةِ
بحديثِ
الرّسولِ(صلى الله عليه وسلم) ، إنّها ظاهرةُ السّفرِ بدونِ محرم ،
فما
هو
مقدارُ إيمانُكِ أختي المسلمة بحديثِ النّبيِ(صلى الله عليه
وسلم)
الذي يقولُ
فيه : ( لا
تُسافرُ المرأةُ
إلاّ مع
ذي محرم )
رواه أحمد والبيهقي
بسندٍ
صحيح ، ولا تغترِّي أختي العفيفةُ
ببعضِ الآراءِ الغريبةِ المُتساهلة
،
الآراءِ التي لا تستندُ
إلى دليل ، كالرّأيِ الذي يُجيزُ للمرأة
السفرَ مع
مجموعةٍ
مأمونةٍ من النّساء ، فالحكمُ الشّرعي لا يؤخذُ من الآراءِ
العقلانيّة التي تَأَثَّرَ أصحابُها بضغطِ الواقع وكثرةِ الأهواء
فحرِصَوا
على أن يُنشِئوا فِقْهاً يُناسبُ أمزجةَ النّاسِ ولو خالَفَ
الدّليل ،
فالحكمُ الشرعيّ لا يُؤخَذُ من تلك الآراء ، أُختي
في الله ..إنّ
الأمرَ دين
، والدِّين .. هو أعظمُ وأغلى
شيءٍ يملِكُهُ الإنسان ، فلا يُؤخذُ
مِن أصحابِ
المناهجِ
التي ترى أنّ التّيسيرَ ، في قولِه(صلى الله عليه وسلم) :
( يسِّروا ولا تُعسِّروا )
هو في اتّباعِ الأقوالِ الضّعيفةِ والآراءِ الشّاذّة ، هؤلاءِ لن
يرفعوا
عنكِ
الإثمَ باتّباعِكِ لأقوالِهِم ، وإنّما يَعتصِمُ المسلمُ
بالكتابِ
والسنّةِ
في مثلِ هذه الأمور ولو خالَفَ رغبةَ
النّفس ، ومِن ثَمّ يطلُبُ
البراءةَ
لدينِه ، ولقد أعْفَىَ
النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) رجلاً من
الجهادِ في
سبيل الله
من أجلِ أن يُسافرَ مع زوجتِه إلى الحج ، ولو كان سفرُ
المرأةِ
لوحدِها مع النساءِ مُباحاً لرخّص لها النّبيُّ (صلى الله عليه وسلم)
في ذلك
، فعن ابن عباس: « أَنَّه
سَمِعَ
النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ
يَقُولُ:
لاَ يَخْلُونَّ رَجَلٌ بِامْرَأةِ إلاَّ وَمَعَها ذو
مَحْرَمٍ وَلاَ
تُسَافِرُ الْمَرْأةُ إِلاَّ مع ذِي مَحْرَمِ»
، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وإِنِّي اكْتُتِبْتُ في
غَزْوَةِ
كَذَا وكذا ، قَالَ:
«
فَانْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ
امْرَأَتِكَ».
متفقٌ على صحّته ، فإذا كان الرّجلُ يُعفَى من الجهاد من أجْلِ
السّفرِ
مع
زوجته ، فكيف تُبيحُ المُسلِمةُ لِنَفْسِها السّفر بلا محرم
بلا سبب
أو لأدنى
سبب ؟ ، وإذا كان الشّارعُ قد نهى المسلمةَ
عن سفرِ الطّاعةِ ، كالحج
مثلاً ،
بدونِ محرم .. فكيف
بغيرِهِ من الأسفار العادية للنُّزهة أو للزيارة
..؟ ،
جاءَ
عند الداّرَقطني من حديث بنِ عبّاس أنه(صلى الله عليه وسلم)
قال:
«لاَ تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إِلاَّ
وَمَعَهَا
زَوْجٌ» صححه أبو عوانة .