شيخ الأزهر الأسبق
السؤال
بالطلب المقدم من السيد : ... قال فيه : إن له بنتين صغيرتين ، إحداهما ست
سنوات و الأخرى سنتان ، و أنه قد سأل بعض الأطباء المسلمين عن ختان البنات
، فأجمعوا على أنه ضار بهن نفسياً و بديناً ، فهل أمر الإسلام بختانهن أو
أن هذا عادة متوارثة عن الأقدمين فقط ؟
و هذه الفتوي مسلسلة برقم فتوي في دار الإفتاء
الرقـم المسلسل : 709
الموضوع : (1202) ختان البنات
التاريخ : 29/01/1981م
الـمـفـتـــي : فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق
الجواب :
قال
الله تعالى : {{ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا و ما كان من
المشركين}} [النحل : 123] ، و فى الحديث الشريف (متفق عليه - البخاري في
كتاب بدء الخلق و فى باب الختان في كتاب الاستئذان - و مسلم في باب فضائل
إبراهيم - في كتاب الفضائل ) : <<اختتن إبراهيم و هو ابن ثمانين
سنة>> .
و
روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
<<الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان و الاستحداد و نتف الإبط و قص
الشارب و تقليم الأظافر>> (متفق عليه - شرح السنة للبغوى ج - 12 ص
109 باب الختان) ، و قد تحدث الإمام النووى الشافعى في المجموع (جـ1 ص 284
في تفسير الفطرة بأن أصلها الخلقة) ، قال الله تعالى : {{فطرة الله التي
فطر الناس عليها}} [الروم : 30] ، و اختلف في تفسيرها في الحديث قال
الشيرازي و الماوردي و غيرهما : هي الدين ، و قال الإمام أبو سليمان
الخطابي : فسرها أكثر العلماء في الحديث بالسنة ، ثم عقب النووي بعد سرد
هذه الأقوال و غيرها بقوله قلت تفسير الفطرة هنا بالنسبة هو الصواب .
ففي
صحيح البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : <<من
السنة قص الشارب و نتف الإبط و تقليم الأظافر>> ، و أصح ما فسر به
غريب الحديث تفسيره
بما جاء في رواية أخرى ، لاسيما في صحيح البخاري .
و
قد اختلف أئمة المذاهب و فقهاؤها في حكم الختان : قال ابن القيم (هامش شرح
السنة للبغوى ج - 2 ص 110 في باب الختان ) في كتابه (تحفة المودود) :
اختلف الفقهاء في ذلك .
فقال
الشعبي و ربيعة و الأوزاعي و يحيى بن سعيد الأنصاري و مالك و الشافعي و
أحمد هو واجب ، و شدد فيه مالك حتى قال : من لم يختتن لم تجز إمامته و لم
تقبل شهادته ، و نقل كثير من الفقهاء عن مالك ، أنه سنة ، حتى قال القاضي
عياض : الاختتان عند مالك و عامة العلماء سنة ، و لكن السنة عندهم يأثم
تاركها ، فهم يطلقونها على مرتبة بين الفرض و الندب ، و قال الحسن البصرى
و أبو حنيفة لا يجب بل هو سنة .
و
فى فقه الإمام أبى حنيفة (الاختيار شرح المختار للموصلي ج - 2 ص 121 في
كتاب الكراهية) إن الختان للرجال سنة ، و هو من الفطرة ، و للنساء مكرمة ،
فلو اجتمع أهل مصر (بلد) على ترك الختان قاتلهم الإمام ، لأنه من شعائر
الإسلام و خصائصه .
و المشهور في فقه الإمام مالك في حكم الختان للرجال و النساء كحكمه في فقه الإمام أبى حنيفة .
و فقه الإمام الشافعي (ج - 1 ص 297 من المهذب للشيرازي و شرحه المجموع للنووي) إن الختان واجب على الرجال و النساء .
و
فقه الإمام أحمد بن حنبل (المغنى لابن قدامة ج - 1 ص 70 مع الشرح الكبيرة)
إن الختان واجب على الرجال ، و مكرمة في حق النساء و ليس بواجب عليهن ، و
في رواية أخرى عنه أنه واجب على الرجال و النساء كمذهب الإمام الشافعي .
و
خلاصة هذه (الافصاح عن معاني الصحاح ليحيى بن هبيرة الحنبلي ج - 1 ص 206)
الأقوال إن الفقهاء اتفقوا على أن الختان في حق الرجال و الخفاض في حق
الإناث مشروع ، ثم اختلفوا في وجوبه ، فقال الإمامان أبو حنيفة و مالك هو
مسنون في حقهما و ليس بواجب وجوب فرض و لكن يأثم بتركه تاركه ، و قال
الإمام الشافعي هو فرض على الذكور و الإناث ، و قال الإمام أحمد هو واجب
في حق الرجال ، و فى النساء عنه روايتان أظهرهما الوجوب .
و
الختان في شأن الرجال قطع الجلدة التي تغطى الحشفة ، بحيث تنكشف الحشفة
كلها ، و فى شأن النساء قطع الجلدة التي فوق مخرج البول دون مبالغة في
قطعها و دون استئصالها ، و سمى بالنسبة لهن (خفاضاً) .
و
قد استدل الفقهاء على خفاض النساء بحديث أم عطية رضي الله عنها قالت : إن
امرأة كانت تختن بالمدينة ، فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم :
<<لا تنهكى ، فإن ذلك أحظى للزوج ، و أسرى للوجه>> .
و
جاء ذلك مفصلاً في رواية أخرى تقول : (إنه عندما هاجر النساء كان فيهن أم
حبيبة ، و قد عرفت بختان الجوارى ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و
سلم قال لها : <<يا أم حبيبة هل الذى كان في يدل ، هو في يدك
اليوم>> ، فقالت : نعم يا رسول الله ، إلا أن يكون حراماً فتنهانى
عنه ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : <<بل هو حلال ، فادني
منى حتى أعلمك>> ، فدنت منه ، فقال : <<يا أم حبيبة ، إذا أنت
فعلت فلا تنهكى ، فإنه أشرق للوجه و أحظى للزوج>> ، و معنى :
<<لا تنهكي>> لا تبالغي في القطع و الخفض ، و يؤكد هذا الحديث
الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال :
<<يا نساء الأنصار اختفضن (أى اختتن) و لا تنهكن>> (ألا
تبالغن في الخفاض) ، و هذا الحديث جاء مرفوعاً (نيل الأوطار للشوكانى جـ1
ص113 ) برواية أخرى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .